#اخبار_الفن #اخبار_المشاهير #الفن #24ساعة_ترفيه
“في هوليوود هناك من يدفع ألف دولار من أجل قبلة، وخمسين سنتاً من أجل روحك” … مارلين مونرو
في هوليوود الكلاسيكية، لكل فنانة شخصية، بيرسونا قبل اختراع النماذج التسويقية والقبعات الشرائية، فجريس كيلي هي الأناقة والذوق الرفيع اللذين يمثلا هوليوود الخمسينات، وكاثرين هيبرن هي المرأة الأندروجينية قوية الشخصية، ومارلينا ديتريك تتحدى التصنيف الجنسي، وجينجر روجرز هي فتاة الشارع الذكية ذات الدعابة اللاذعة، تلتصق شخصية الفنانة بالأدوار التي تلعبها ولا يمكنها أن تحيد عنها إلا وفق قواعد صارمة، وإلى جانب كل هاته النجمات اللامعات، خطت ناعومي واتس خطوات وجلة نحو الانضمام إليهن بدورين ساحرين، واحد في فيلم سريالي عبثي نيو-نوار يدمر أسطورة هوليوود وما تفعله في أولئك النجوم اللامعين، والآخر ينتصر للقصة الهوليوودية الأسطورية بتسكين دوري الرجل والمرأة بكل براعة في مكانيهما التقليديين، مع بعض اللعب.
ظهرت ناعومي واتس في فيلم Mulholland Drive بملامح طبيعية تماماً، أمريكية تماماً، تفتقر أدنى رتوش الغواية والبهرجة، كانت في جزء منه بيتي سنوهوايت عالم مظلم كئيب، تختلف تماماً عن رفيقتها العاطفية وزميلة رحلتهما الكافكاوية في بطن لوس أنجيليس وكواليس شوارعها المظلمة والتي أدت دورها لورا هارينج، بملامح غامضة تصلح للمرأة الذبّاحة في أفلام النوار والنيو-نوار، وأداء يتأرجح ما بين انعدام الإرادة والسيطرة الكاملة من قبل سنوهوايت هوليوود بيتي، والقسوة المفرطة عندما تتحول إلى عشيقة ناعومي واتس القديمة.
اختيار ناعومي ذاتها جاء في محله تماماً، ملامح ملائكية طاغية، براءة تبدو قريبة الشبه بحقيقة الممثلة ذاتها، الوجه الجديد الطازج عام 2001 والذي يمكن تشكيله وإبرازه بكل الطرق الممكنة ليصبح وجه امرأة فقدت كل شيء (ديان) في النصف الثاني من الفيلم أو فتاة وجلة العينين، متوقدة المشاعر والموهبة كبيتي في الجزء الأول من الفيلم. على الرغم من سرياليته وإسهابه في الغموض إلا أن دافيد لينش ينقل رؤاه عن العالم والمرأة والفن من خلال أفلامه بطريقة تتعدى المشاهدة الأولى أو النظرة السطحية. وباختياره لناعومي، استطاع أن ينقل للمشاهد جميع المشاعر التي يريد أن يستحثها منه، براعتها وجمالها الكلاسيكي جعلا منها مسرحاً خصباً للتأمل والإعجاب، بإحالة قصتها إلى قصة نجمة هوليوودية كلاسيكية مأساوية في عصر ما قبل حماية النجم من الانتهاك والاستغلال، أصبحت بيتي/ديان نموذجاً حياً على تدمير حياة نجمة وامرأة لفقدها الوهج وتقدم الأصغر عناً لتخطيها في صناعة فنية لا ترحم ولا تهتم بأولئك الذين تركتهم في الخلف.
اعتمدت سلسلة أفلام كينج كونج على شخصية الشقراء الضعيفة التي يخطفها الوحش ويقع في حبها بينما تتملص هي منتظرة أن ينقذها البطل كانت هي التيمة المحورية لمعظم الأفلام المأخوذة عن أسطورة كينج كونج ذات الأبعاد العنصرية الواضحة. لكن في فيلم King Kong بيتر جاكسون عام 2005 الوضع يختلف، تحولت التيمة من الوحش الهائج المشحون بجنسانية ذكورية (غالباً تلقي بظلالها على العنصرية الواضحة في استقراء فحولة الرجل الأسود من قبل الأمريكيين) الذي يخطف الشقراء الجميلة ويهيم بها حباً إلى علاقة أثيرية بين شقراء من خارج هذا العالم ووحش ضخم يُساء فهمه من الجميع سواها، بيد ماهرة تحولت قصة كليشيهية ذكورية عنصرية قبيحة إلى حلم شفاف، والفضل في هذا يرجع بنسبة كبيرة إلى اختيار ناعومي في دور آن، بدت تماماً نجمة هوليوودية كلاسيكية، ملامح شديدة الحقيقية والبراءة، تأثر واضح ببيرسونا مارلين مونرو مع التخلص من الأجزاء المزعجة كادعاء الغباء والتغنج المبالغ فيه، في المشهد الذي تقابل فيه كونج في سنترال بارك بعد تدميرها، يجد المرء على غرائبية الموقف فيه مسحة من الشاعرية، التخلص الجنساني الكامل من تأثر فيلم مثل كينج كونج بأبعاد جنسية فجة، والاعتماد على علاقة لامجنسنة بين غوريلا ضخمة، freak في عالم من البشر العاديين وفتاة حالمة استطاعت أن تكسر الهالة المحيطة به لتفهمه وتحبه في رابطة من الصداقة لا التحول إلى فريسة لوحش عملاق.
ملامح ناعومي واتس الأثيرية الكلاسيكية تمنحها نقطة تفوق واضحة في الفيلم، تقترب كاميرا بيتر جاكسون من وجهها الحالم الوجِل فترتجف القلوب، تبدو أكثر جمالاً وبهاءً في لحظات من الصمت، يسمح فيها المخرج باختفاء الحوار والاعتماد على الموسيقى ولغة الجسد والتفاعلات غير المنطوقة في انتصار واضح لبصرية السينما. تختلف آن 2005 عن آن السابقات أن العلاقة بينها وبين كونج تتعدى الجنسانية المريبة والمزعجة في النسخ القديمة، سواءً الستينات أو السبعينات أو غيرها، هنا التقى كيانان ببعضهما البعض في عالم خالي أشبه بأمريكا ما بعد المحرقة حيث يمكن لهما التواجد دون أن يضايقهما أحد، دون أن يطلب أحداً تفسيراً لأبعاد العلاقة بينهما، ليس كونج مجرد وحش أسود غاضب ولا آن فتاة بيضاء ثلجية خائفة على الدوام، تبدو في ملابسها الهفافة وزرقة عينيها العميقة أشبه بحلم، قُصْقوصة من عالم ألف ليلة وليلة، حيث ألف احتمال واحتمال للدور الذي تلعبه هذه الجذابة لترويض الوحش.
في دلالة ربما شاعرية أو تتعاطف مع النسوية، لا تبدو آن كمروضة وحوش بدلالة جنسية، لكنها مثل شهرزاد أحكمت سيطرتها ولو لحظات على الرجل المخيف، مما يحمّل الفيلم الممتع أكثر من طاقته، لكنه يفتح دلالاته ومُتنه للتأويلات الأكثر عمقاً. فمن يدري ماذا تمثل آن وعلام تقع علاقتها بكينج كونج، المهم أن ناعومي واتس أدتها ببراعة، واستطاعت في مشهد سنترال بارك، أثناء تزلجها مع كونج أن تعبر بعينيها عما يعجز عنه الكلام.
ربما لهذا انحدر مسار ناعومي واتس المهني، فامرأة بهذه الملامح الرائعة المرهقة، القادمة من عالم يحتاج لنساء مرهفات، أثيريات، خارجات للتو من عباءة الحفل الفخم في فيلم هوليوودي بالأبيض والأسود قد لا تصلح في أداء دور الأم أو ارتداء الجينز، لا يمكن تخيلها تسب أو تظهر في فيلم حداثي تؤدي فيه دوراً سريالياً على غرار مواطنتها نيكول كيدمان الأكثر تنوعاً وإثارة للجدل. انطفأت ناعومي سريعاً كما نجمات هوليوود الكلاسيكية، كأنما أصبحت لصيقة بمصائرهن القصيرة، هاته الفراشات اللاتي أحرقت -معظمهن- نار تقدم العمر وعجز السينما عن توفير مواضيع تستفيد فيها من عمق تجاربهن وتغير ملامحهن بفعل السن.